كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فمن قرا {وعبد الطاغوت} فالمعنى عنده من لعنه الله ومن عبد الطاغوت وحمل الفعل على لفظ من.
ومن قرأ {وعبدوا الطاغوت} فهو عنده بذلك المعنى الا أنه حمله على معنى من كما قال جل وعز: {ومنهم من يستمعون اليك} ومن قرأ {وعبدت الطاغوت} حمله على تأنيث الجماعة كما قال جل وعز: {قالت الأعراب} ومن قرأ {وعبد الطاغوت} فهو عنده جمع عابد كما يقال شاهد وشهد وغائب وغيب ومن قرأ {وعابد} فهو عنده واحد يؤدي عن جماعة.
ومن قرأ {وعبد} فهو عنده جمع عباد أو عبيد كما يقال مثال ومثل ورغيف ورغف وقال بعض النحويين هو جمع عبد كما يقال رهن ورهن وسقف وسقف ومن قرأ {وعباد} فهو جمع عابد كما يقال عامل وعمال ومن قرأ {وعبد الطاغوت} فأكثر أهل اللغة يذهب إلى أنه لحن وهي تجوز على حيلة وذلك أن يجعل {عبدا} واحدا يدل على جماعة كما يقال رجل حذر وفطن وندس فيكون المعنى وخادم الطاغوت وعلى هذا تتأول هذه القراءة يقال عبده يعبده إذ ذل له أشد الذل ومنه بعير معبد أي مذلل بالقطران ومنه طريق معبد ومنه يقال عبدت أعبد إذا أنفت كما قال:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم

والمعنى على هذا وخادم الطاغوت وقد قيل الفرد بمعنى الفرد وينشد النابغة من وحش وجرة موشي أكارعه طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد ويروى الفرد وقيل الطاغوت هاهنا يعنى به الشيطان وكذا روي عن بريدة الاسلمي أنه قرأ {وعابد الشيطان} وأجاز بعض العلماء {وعبد الطاغوت} بالخفض على معنى عبدة مثل كاتب وكتبة والهاء تحذف من مثل هذا في الاضافة.
116 وقوله عز وجل: {وإذا جاؤكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} أي لم ينتفعوا بشيء مما سمعوا فخرجوا بكفرهم.
117 وقوله جل وعز: {لولا ينهاهم الربانيون والاحبار} وقرأ أبو الجراح {لولا ينهاهم الربيون} قال مجاهد {الربانيون والاحبار} العلماء والفقهاء والربانيون فوق الاحبار قال أبو جعفر والربيون الجماعات وهو مأخوذ من الربة والربة الجماعة فنسب إليها فقيل ربي ثم جمع فقيل ربيون.
قال أبو جعفر والمعنى بئس الصنع ما يصنع هؤلاء الربانيون والاحبار في تركهم نهي هؤلاء.
قال الضحاك ما في القرآن آية أخوف عندي منها أننالآننهى وفي هذه الآية حكم في أمر العلماء في النهي عن المنكر.
118 وقوله عز وجل: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم} في هذه الآية ثلاثة أقوال أحسنها ما روي عن ابن عباس أنه قال قالت اليهود ان الله عز وجل بخيل والمعنى عند أهل اللغة على التمثيل أي قالوا هو ممسك عنا لم يوسع علينا حين أجدبوا كما قال تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} فهذا نظير ذاك والله أعلم.
وقيل اليد هاهنا النعمة وقيل هذا القول غلط لقوله: {بل يداه مبسوطتان} فنعم الله جل وعز أكثر من أن تحصى فكيف يكون بل نعمتاه مبسوطتان فقال من احتج لمن قال انهما نعمتان بأن المعنى النعمة الظاهرة والباطنة والقول الثالث أن المعنى أنه لا يعذبنا أي مغلولة عن عذابنا.
119 وقوله عز وجل: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} أي جعل بأسهم بينهم فهم متباغضون غير متفقين فهم أبغض خلق الله إلى الناس.
وقال مجاهد هم اليهود والنصارى والذي قال حسن ويكون راجعا إلى {لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}.
120 ثم قال جل وعز: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} هذا تمثيل أي كلما تجمعوا شتت الله أمرهم وقال قتادة أذلهم الله جل وعز بمعاصيهم فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وهم تحت أيدي المجوس.
121 ثم قال جل وعز: {ويسعون في الأرض فسادا} أي يسعون في إبطال الاسلام.
122 وقوله جل وعز: {ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل} أي لو أظهروا ما فيها من صفة النبي صلى الله عليه وسلم {وما أنزل إليهم من ربهم} يعني به القرآن والله أعلم.
123 ثم قال جل وعز: {لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} فهذا يدل على أنهم كانوا في جدب.
{ومن فوقهم} على قول ابن عباس ومجاهد والسدي يعني المطر {ومن تحت أرجلهم} يعني النبات وقيل يجوز أن يكون تمثيلا أي لوسعنا عليهم كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه أي قد شمله الخير والاول قول أهل التأويل.
124 وقوله عز وجل: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالاته} في معناه قولان أحدهما بلغ كل ما أنزل اليك ويقوي هذا أن مسروقا روى عن عائشة أنها قالت {من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله يقول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته} والقول الآخر وعليه أكثر أهل اللغة ان المعنى أظهر ما أنزل اليك من ربك أي بلغه ظاهرا.
ودل على هذا قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} أي يمنعك منهم أن ينالوك بسوء مشتق من عصام القربة وهو ما تشد به وقوله جل وعز: {وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك طغيانا وكفرا} أي يكفرون به فيزدادون كفرا على كفرهم.
125 ثم قال جل وعز: {فلا تأس على القوم الكافرين} أي فلا تحزن عليهم.
126 وقوله جل وعز: {ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} في هذا قولان أحدهما أنه يعني بالذين آمنوا هاهنا المنافقون.
والتقدير ان الذين آمنوا بألسنتهم ودل على هذا قوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم}.
127 ثم قال جل اسمه {من آمن بالله} فالمعنى على هذا القول من حقق الايمان بقلبه والقول الآخر ان معنى {من آمن بالله} من ثبت على ايمانه كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}.
128 وقوله جل وعز: {كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} قال اليهود والنصارى يشتركون في التكذيب واليهود تنفرد بالقتل خاصة وكانت الرسل منها من يأتي بالشرائع والكتب والاحكام نحو محمد صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى وهؤلاء معصومون ومنهم من يأتي بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمسك بالدين نحو يحيى وزكريا عليهما السلام.
129 وقوله عز وجل: {وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا} قال الحسن يعني بالفتنة البلاء وقال غيره معنى {فعموا وصموا} تمثيل أي لم يعملوا بما سمعوا ولا انتفعوا بما رأوا فهم بمنزلة العمي الصم.
130 ثم قال جل وعز: {ثم تاب الله عليهم} أي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم يخبرهم بأن الله عز وجل يتوب عليهم ان تركوا الكفر.
{ثم عمو وصموا} أي بعد وضوح الحجة.
131 وقوله عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم} قال ابراهيم النخعي المسيح الصديق قال أبو جعفر ووجدنا للعلماء في تفسير معناه ستة أقوال سوى هذا روي عن ابن عباس سمي مسيحا لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له وروى غيره عنه انما سمي مسيحا لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة الا برأ ولا يضع يده على شيء الا أعطي فيه مراده.
وقال ثعلب لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها وقيل لسياحته في الأرض وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن.
وقال أبو عبيد أحسب أصله بالعبرانية مشيحا قال وأما قولهم المسيح الدجال فانما سمي مسيحا لأنه ممسوح احدى العينين فهو مسيح بمعنى ممسوح كما يقال قتيل بمعنى مقتول.
132 وقوله جل وعز: {وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} من الصدق وفعيل في كلام العرب للتكثير كما يقال سكيت وقال جل وعز: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} ومن هذا قيل لابي بكر رضي الله عنه صديق.
ويروى أنه انما قيل له صديق لأنه لما أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس فقال ان كان قال فقد صدق.
133 وقوله جل وعز: {كانا يأكلان الطعام} في معناه قولان أحدهما كناية عن اتيان الحاجة كما يكنى عن الجماع بالغشيان وما أشبهه وقيل كانا يتغذيان كما يتغذى سائر الناس فكيف يكون الها من لا يعيش الا بأكل الطعام.
134 ثم قال جل وعز ذكره {انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} أي قد بينا لهم العلامات وأوضحنا الامر فمن أين يصرفون.
يقال أفكه يأفكه إذا صرفه.
135 وقوله جل وعز: {يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق} الغلو التجاوز قال أبو عبيد كما فعلت الخوارج أخرجهم الغلو إلى أن كفروا أهل الذنوب قال ويبين لك هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم {يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية} والمروق هو الغلو بعينه لأن السهم يتجاوز الرمية.
136 ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني اليهود وقال غيره لانهم اتبعوا شهواتهم وطلبوا دوام رياستهم وآثروا ذلك على الحق والهوى في القرآن مذموم والعرب لا تستعمله الا في الشر.
فأما في الخير فيستعملون الشهوة والنية والمحبة.
137 ثم قال جل وعز: {وأضلوا كثيرا} قال ابن أبي نجيح يعني المنافقين وقال غيره ضلوا باتباعهم اياهم.
138 ثم قال جل وعز: {وضلوا عن سواء السبيل} أي قصده.
139 وقوله جل وعز: {لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال أبو مالك الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة.
والذين لعنوا على لسان عيسى صلى الله عليه وسلم مسخوا خنازير وروي عن ابن عباس أنه قال الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بعد نزول المائدة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «أول ما وقع النقص في بني اسرائيل أن أحدهم كان يرى أخاه على المعصية فينهاه ثم لا يمنعه ذلك من الغد أن يكون أكيله وشريبه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض وأنزل فيهم القرآن {لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} ثم قال صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا».
140 وقوله جل وعز: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} قال مجاهد يعني المنافقين.
141 وقوله جل وعز: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى} قال سعيد بن جبير هم سبعون رجلا وجه بهم النجاشي وكانوا أجل من عنده فقها وسنا فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم (يس) فبكوا وقالوا ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين.
وأنزل الله فيهم أيضا {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} إلى قوله: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} إلى آخر الآية وروي عن ابن عباس أنه قال هم من الحبشة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان معهم رهبان من رهبان الشام فآمنوا ولم يرجعوا.
142 وقوله جل وعز: {فاكتبنا مع الشاهدين} روى اسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويبين لك صحة هذا القول قوله جل وعز: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}.